Nile University – Sudan

الإتحاد الفدرالي

(مقال بقلم بروفسر محمد يوسف سكر)

مقدمة

في هذه الأيام العصيبة تتعالى الأصوات وتتوافد الوفود على المؤتمرات خارج البلاد والبعض ينادي لتقسيم البلاد – الا يدرون ان القوة في الوحدة وان أي انقسام سيؤدي بأصحابه الي الضعف ليقعوا فريسة سهلة للطامعين في ثرواتهم – أم يريدون ان يكونوا مثل الدويلات الضعيفة من حولنا التي لا منفذ لها على البحر يختطفها الطامعون – ألا يهم هؤلاء القادة الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على شعوبهم طمعا من عند أنفسهم ولم يولهم أحد؟!

الرؤية التي أعلنها ابراهام لنكولن بعد الحرب الأهلية كانت ” ان الذين ماتوا لم يكن موتهم سدى، وان هذه الأمة، بإذن الله، ستولد حرة من جديد ويكون لها حكومة من الشعب وبالشعب وللشعب”. كان ذلك في 1863.

الرؤية التي أعلنتها ثورة الشباب في 2018 كانت تنادي ب “الحرية والسلام والعدالة” هذه الرؤية كاملة في الفاظها – لكنها تحتاج الى من يعرف ابعادها وأدواتها. الرؤية التالية تبشر بولادة “جمهورية السودان الاتحادية” التي يستند دستورها على مبادئ “الحرية والسلام والعدالة”، ويطبق نظام الحكم هذه المبادئ الثلاثة عبر دولة القانون.

 تعتمد أدوات هذه الرؤية على إنشاء عدد أقل من الولايات المتجانسة ثقافيا، ولكنها ذات مساحات تكفي لتمكينها من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وإرساء أنظمة القانون والعدالة على المستويين الولائي والاتحادي. وبالحجم الذي يسمح للولايات بالتنمية العادلة وفقًا لرؤية اقتصادية جديدة وبوجود موارد كافية للجميع وفي كل مكانبناءً على التحليل التاريخي والاجتماعي والثقافي المعمق لجذور النزاعات في السودان، تبدو فكرة “جمهورية السودان الاتحادية” منطقية الى أبعد الحدود.

 

لقد نجح هذا النظام في نيجيريا بعد الحرب الأهلية التي اندلعت عندما تم اكتشاف احتياطات نفطية كبيرة في ولاية “بيافرا” في جنوب البلاد، التي يقطنها شعب “الإيبو”. أدت الهيمنة التاريخية للشمال إلى “انتفاضة بيافرا”، مما أسفر عن حرب طويلة، تم الخروج من هذه الأزمة بالاعتراف بالأقلية المسيحية العرقية وإعادة تأسيس الجمهورية الاتحادية. ولكن كانت هناك وساطة دولية، بدوافع ومصالح اقتصادية، ساعدت الأطراف المتحاربة على التوصل إلى تسوية.

رؤية لنظام للحكم جديد

الرؤية التالية تتناول قضية عدم الاستقرار والنظام الحزبي التقليدي الذي عمّق الفجوة بين الأعراق والقبائل وأدى في النهاية إلى النزاعات المسلحة. هذه الرؤية تعترف بالتنوع الثقافي، وتطلعات المناطق المختلفة للاستقرار والحصول على خدمات عادلة ولتنمية مواردها.

من المتوقع أن توقف هذه الرؤية العداوات التقليدية والصراع على السلطة والموارد. وبدلاً من ذلك، تتحد الولاية لتوجيه طاقاتها لصالح مواطنيها، بدلاً من طلب الدعم الخارجي لتدمير بعضها البعض. فقد ثبت أن الحلول السابقة لم تؤدِّ إلا إلى مزيد من العنف وفقدان الأرواح والموارد والزمن الضائع- تتلخص مميزات النظام المقترح فيما يلي:

  1. تقاسم السلطة والحفاظ على الامن من خلال اللامركزية.
  2. المشاركة في الحكم المركزي.
  3. عدالة الحصول على تمويل التنمية من ثروات المركز وأنصبة الولاية من الثروة.
  4. المسؤولية عن التنمية الاقتصادية العادلة على المستوى الولائي.
  5. اتخاذ قرارات تطوير الخدمات على المستوى الولائي.

وهذه هي الجوانب الأكثر أهمية في هذا المقترح، وقد كانت تمثل محور مطالب المناطق “المهمشة” لعقود مضت

 

THE FEDERAL REPUBLIC OF SUDAN

 

الولايات الخمس:

يتكون السودان من خمس مناطق متميزة ذات تضاريس ومجموعات ثقافية وموارد طبيعية متشابهة، مما يجعلها تكون الأساس لخمس ولايات قوية ومتجانسة كما يلي:

  • في الغرب: ولاية دارفور.
  • في الشرق: ولاية البحر الأحمر.
  • في الغرب الأوسط: ولاية كردفان.
  • في الشمال: الولاية الشمالية.
  • في الوسط: ولاية الجزيرة (وتشمل النيل الأزرق، النيل الأبيض، الجزيرة، وسنار). وهي أصغر هذه الولايات مساحة – انظر الخارطة)

 أما منطقة “المدن الثلاث” (التي كانت تُعرف بولاية الخرطوم) تبقى كمقر للحكومة الاتحادية. والأمل في تطوير هده المقترحات لتصبح النواة لدستور البلاد.

 

ملامح النظام الاتحادي:

  1. يكون لكل ولاية مجلس ولاية منتخب أو برلمان ولائي.
  2. يتكون مجلس النواب بالبرلمان الاتحادي من 40-50 ممثلًا من كل ولاية، يتم انتخابهم من مجالس الولايات بعدد متساوي من المقاعد تأكيدا لمبدأ إقسام السلطة وعدم سيطرة الوسط
  3. تتكون البرلمانات القومي والولائية من مجلسين، هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
  4. يتم تشكيل مجالس الشيوخ عن طريق انتخاب قادة المجتمع المحلي، بما في ذلك الشيوخ الوطنيين وغيرهم. من ذوي الحكمة والرأي، وذلك لإعطاء الزعماء المقبولين محالا الوضع الذي يستحقون.
  5. يتم تشكيل مجلس الشيوخ الاتحادي من ممثلين عن مجالس شيوخ الولايات، المهم أن مجلس الشيوخ هو مجلس رقابي لحماية الدستور من القرارات الحزبية غير المدروسة.
  6. يتم انتخاب 20 إلى 30 شخصية وطنية مؤهلة ومتخصصة لمجلس الشيوخ بواسطة مجلس النواب الاتحادي يراعى بها تمثيل المرأة بالمناصفة.
  7. يهتم المجلسان (النواب والشيوخ) بتلبية الطموحات الوطنية لإجراء انتخابات ديمقراطية في موعدها.
  8. ينتخب رئيس الجمهورية بواسطة مجلس النواب من بين أعضائه لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة.
  9. ينتخب المجلس الولائي حاكما للولاية من بين أعضائه لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة.
  10. يصدق مجلس الشيوخ القومي على جميع القرارات الولائية والقومية في القراءة النهائية وفقًا للدستور.

 

تمثل هذه الملامح قاعدة لانطلاق المؤتمر الدستوري الذي ينتظره الشعب،

لوضع البلاد على طريق الاستقرار السياسي.

 

إصلاح قوانين الانتخابات:

بعض الإخفاقات السابقة تعزى الى الفشل في تكوين مجلس للنواب قوي ومطّلع بواجبه التشريعي والرقابي، الذي يضمن الحقوق ويرسي قواعد الواجبات. تحتاج البلاد إلى جهود ابنائه وبناته الأمناء لتجنب أخطاء الماضي، وعلى رأسها مشكلة أحزاب الطوائف أو الولاءات التقليدية والمجموعات الثقافية أو الأيدولوجية التي جربت حظها ورمت بالديموقراطية جانبا وارست تجارب من الظلم والقهر سوف لا تنسى قريبا، وكلاهما قد ازيل بانتفاضة واجماع شعبي لا يمكن تجاهله الا ممن عميت قلوبهم. يجب ألا تتكرر هذا التجارب بعد ان تعرضت البلاد الى حرب جراء الصراع على السلطة دون رؤية وطنية واضحة.

 

على سبيل المثال ينبغي ان ينص قانون الأحزاب على:

  1. مصادر تمويل الحزب ورصد اتصالاته الخارجية
  2. بعدد رصد العديد من العيوب في قانون الانتخابات، مقاربتها بالقوانين في الجمهوريات الفدرالية.
  3. المراجعة الشاملة من خبراء قانونيين يتم التحقق من حيدتهم وعدم وجود انتماءات سياسية أو علاقات مع جهات مشبوهة.
  4. القضاء على أوجه القصور والثغرات التي يتسلل من خلالها المتلاعبون بالنظام الديموقراطي، وهذه أمور أدري بها من يشتغلون بصياغة القانون.

 

فيما يلي امثلة للقضايا التي تحتاج إلى معالجة جادة:

  • لا يوجد أي منطق أو حاجة لوجود مئات الأحزاب السياسية. يحتاج أي بلد الى عدد قليل من الأحزاب تتنافس حول سياسات وبرامج واضحة للناخبين.
  • فحص وتوثيق خلفيات قادة الأحزاب السياسية، ومراقبة تواصلهم مع العالم الخارجي بشكل دقيق.
  • حظر تسجيل الأحزاب القائمة على أساس عرقي أو قبلي أو طائفي بموجب القوانين الاتحادية والولائية.
  • يجب انتخاب قادة الأحزاب السياسية في مؤتمر الحزب الدوري لمدة 4-5 سنوات، وشطب تسجيل الحزب الذي لا يلتزم. ويمكن إعادة انتخاب رئيس الحزب لثلاثة دورات. وينطبق الأمر نفسه على قادة فروع الأحزاب في الولايات.
  • يجب أن يخضع الوزراء ووزراء الظل على المستويين الاتحادي والولائي للفحوصات الأمنية.
  • يجب توثيق الهياكل الداخلية للحزب، ويجب أن يمتلك المسؤولون فيه مؤهلات محددة وأن يخضعوا للفحوصات الأمنية.
  • يجب أن يكون ما لا يقل عن 60-70% من المرشحين الحزبيين لمجلس النواب حاصلين على شهادة جامعية، وأن يكون الباقون حاصلين على شهادة الثانوية العامة على الأقل، دون استثناءات.
  • تمثيل عادل للنساء والشباب في جميع المجالس النيابية.
  • معايير صارمة للتحقق من الهوية الوطنية، العمر، التعليم، والفحص الأمني، لكل من المجالس الولائية والاتحادية ولكل من يترشح للمناصب القومية والمحلية – ثم تحفظ وتتابع ويتم تحديث هذه الملفات بصفة مستمرة.
  • على المدى الطويل، ستعمل هذه الفحوصات الأمنية كرادع للسياسيين الطامحين من ارتكاب الجرائم أو تكوين روابط أو اتصالات مشبوهة.
  • مراجعة هذه القوانين والأنظمة دوريًا لتجنب نقاط الضعف التاريخية التي أدت إلى فشل الديموقراطيات السابقة.

مثل هذه القوانين والأنظمة موجودة في جميع الديمقراطيات

التي تحترم سيادة القانون باعتبارها حجر الزاوية لاستقرار الدولة

لذلك لسنا بحاجة إلى اختراع العجلة من جديد.

 

الفوائد المتوقعة من النظام الفدرالي مع سيطرة الدولة على مواردها:

  1. سوف يسمح النظام الفدرالي بظهور القادة الإقليميين الذين ينافسون القادة التقليديين ثم يصيروا أنفسهم قادة قوميين وتنتفي سيطرة الوسط على الهامش.
  2. لن يكون هناك مجال للأيديولوجيات التي تدّعي فلسفة أو تفكيرًا متفوقًا، والتي تنحرف لأسباب مختلفة عن النهج الوطني وتلبية احتياجات كل الولايات.
  3. ستعتمد سياسات الولايات وبرامج التنمية على احتياجات الناس بمنهج عملي أكثر من السياسات المركزية.
  4. سوف يتنافس القادة الإقليميون من أصحاب الرؤية على القيادة الوطنية بفضل فوائد وجودهم في البرلمان القومي الذي يمثل الوحدة الوطنية والتعاون بين الولايات.
  5. مع تحديث أساليب الزراعة والإنتاج الحيواني، ستزدهر اقتصادات الولايات.
  6. ستقلل أساليب الإنتاج الحيواني الحديثة من الاحتكاك بين المزارعين والرعاة، وتقلل الحاجة إلى الحماية القبلية التقليدية.
  7. ستؤدي الفوائد المتبادلة “للاقتصاد الجديد ” المعتمد على سيطرة الدولة على مواردها إلى تآكل الهياكل القبلية تدريجيًا.
  8. ستزداد فرص العمل على مستوى الولايات، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويقلل من الهجرة الى المدن.
  9. ستساعد قوانين الاستثمار التي تتضمن مشاريع المسؤولية المجتمعية الإلزامية في تقليل عبء الخدمات على الاقتصاد الوطني والولائي.
  10. ستتخلق أنماط حياة وآفاق جديدة أكثر وضوحًا للأجيال الجديدة، مما يقلل من الهجرة غير المنظمة إلى الخارج.
  11. سيؤدي تعزيز قوات الأمن على المستويين الولائي والاتحادي وتوضيح حدود المسؤوليات إلى تقليل الجريمة.
  12. سيتم التعامل مع التهريب كجريمة اتحادية وستتلقى المزيد من الاهتمام.
  13. ستصبح قوات إنفاذ القانون وإجراءاتها أكثر فاعلية ومسؤولية.
  14. ستُعتبر أساليب حل المشكلات التقليدية (مثل “الجودية”) أساليب قديمة وغير فعالة.
  15. ومن المؤكد هنالك من يضيف الى هذه الرؤية عبر المؤتمر الدستوري.

جنوب السودان:

يرى البعض أن إعادة توحيد السودان قضية خاسرة، لكن السودان كان معروفًا للعالم كبلد واحد على مدار الـ 200 عاما الماضية. حدود السودان في الحقبة التركية-المصرية هي ذاتها التي تظهر على جميع خرائط العالم. دعونا نستمع الى المفكرين من أبناء الجنوب من أمثال فرانسيس دينق وسنجد أن السودان الموحد أكثر قوة وقدرة على النمو من السودان الممزق.

وهاكم بعض الأفكار الجديرة بالتدبر.

  • التفكير على أساس الانقسامات العرقية والقبلية يعد نهجًا متخلفا وغير مثمر، إن لم يكن بدائيًا تمامًا – انظروا ماذا فعل الإتحاد الأوروبي ونمور اسيا وأخيرا بريكس.
  • سيؤدي إنشاء اتحاد كونفدرالي مع جنوب السودان إلى حل قضية الهوية التي غالبًا ما يثيرها السياسيون وبعض غير المؤلفة قلوبهم الذين يقفون المواقف العنصرية الضيقة غير المقبولة في عالم اليوم.
  • يجب أن تكون التصريحات أو الأفعال العنصرية جرائم يعاقب عليها القانون.
  • يمكن لاتحاد كونفدرالي بين الشمال والجنوب أن يعزز النمو الاقتصادي لكلا الطرفين، من خلال إنتاج الغذاء في الشمال وإنتاج النفط في الجنوب.
  • سيكون تسهيل قيود السفر وتبادل الموارد البشرية والخبرات مكسبًا كبيرًا للنمو الاقتصادي والثقافي، كما كان في حالة نيجيريا بعد الحرب الأهلية في بيافرا.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. انتهى.